فصل: ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح قبرص.

كان أبو عبيدة لما احتضر استخلف على عمله عياض بن غنم وكان ابن عمه وخاله وقيل استخلف معاذ بن جبل واستخلف عياض بعده سعيد بن حذيم الجمحي ومات سعيد فولى عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه على دمشق أخاه معاوية فاجتمعت له دمشق والأردن ومات عمر وهو كذلك وعمير على حمص وقنسرين ثم استعفى عمير عثمان في مرضه فأعفاه وضم حمص وقنسرين إلى معاوية ومات عبد الرحمن بن أبي علقمة وكان على فلسطين فضم عثمان عمله إلى معاوية فاجتمع الشام كله لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان وكان يلح على عمر في غزو البحر وكان وهو بحمص كتب إليه في شأن قبرص أن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلاب قبرص وصياح دجاجهم فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه! فكتب إليه: هو خلق كبير يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء إن ركد فلق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة وراكبه دود على عود إن مال غرق وإن نجا برق فكتب عمر إلى معاوية والذي بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فسيأذن الله كل يوم وليلة في أن يغرق الأرض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر وبالله لمسلم واحد أحب إلي مما حوت الروم فإياك أن تعرض لي في ذلك فقد علمت ما لقي العلاء مني.
ثم كاتب ملك الروم عمر وقاربه وأقصر عن الغزو ثم ألح معاوية على عثمان بعده في غزو البحر فأجابه على خيار الناس وطوعهم فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار لكل سنة ويؤدون مثلها للروم ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم وعلى أن يكون عينا للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم وكانت هذه الغزاة سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين وقيل ثلاث وثلاثين وماتت فيها أم حرام سقطت عن دابتها حين خرجت من البحر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك وأقام عبد الله بن قيس الجاسي على البحر فغزا خمسين غزاة لم ينكب فيها أحد إلى أن نزل في بعض أيام في ساحل المرقي من أرض الروم فثاروا إليه فقتلوه ونجا الملاح وكان استخلف سفيان بن عوف الأزدي على السفن فجاء إلى أهل المرقي وقاتلهم حتى قتل وقتل معه جماعة.

.ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان.

وفي السنة الثالثة من خلافة عثمان خرج أبو موسى من البصرة غازيا إلى أهل آمد والأكراد لما كفروا حمل ثقله على أربعين بغلا من القصر بعد أن كان حض على الجهاد مشيا فألب الناس عليه ومضوا إلى عثمان فاستعفوه منه وتولى كبر ذلك غيلان بن خرشة فعزله عثمان وولى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وكان ابن خمس وعشرين سنة وجمع له جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص من عمان والبحرين فصرف عبيد الله بن معمر عن خراسان وبعثه إلى فارس وولى على خراسان مكانه عمير بن عثمان بن سعد فأثخن فيها حتى بلغ فرغانة ولم يدع كورة إلا أصلحها ثم ولى عليها سنة أربع أمير بن أحمر اليشكري وعلى كرمان عبد الرحمن بن عبيس واستعمل على سجستان في سنة أربع عمران بن الفضيل البرجمي وعلى كرمان عاصم بن عمرو فجاشت فارس وانتقضت بعبيد الله بن عمرو وجمعوا له فلقيهم بباب اصطخر فقتل عبيد الله وانهزم جنده.
وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة وسار بالناس وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص وفي المجنبتين أبو برزة الأسلمي ومعقل بن يسار وعلى الخيل عمران بن حصن ولقيهم بإصطخر فقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزموا وفتح اصطخر عنوة وبعدها دار ابجرد وسار إلى مدينة جور وهي اردشير وكان هرم بن حيان محاصرا لها فلما جاء ابن عامر فتحها ثم عاد إلى اصطخر وقد نقضت فحاصرها طويلا ورماها بالمجانيق واقتحمها عنوة ففني فيها أكثر أهل البيوتات والأساورة لأنهم كانوا لجأوا إليها ووطئ أهل فارس وطأة لم يزالوا منها في ذل وكتب إلى عثمان بالفتح فكتب إليه أن يستعمل على كور فارس هرم بن حيان اليشكري وهرم بن حيان العبسي والخريت بن راشد وأخاه المنجاب من بني سلمة والبرجمان الهجيمي وأن يفرق كور خراسان بين ستة نفر: الأحنف بن قيس على المرو وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ وخالد بن عبد الله زهير على هراة وأمير بن أحمر اليشكري على طوس وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور ثم جمع عثمان خراسان كلها لقيس واستعمل أمير بن أحمد اليشكري على سجستان ثم بعده عبد الرحمن بن سمرة من قرابة ابن عامر بن كريز فلم يزل عليها حتى مات عثمان وعمران على كرمان وعمير بن عثمان ابن مسعود على فارس وابن كريز القشيري على مكران وخرج على قيس بن هبيرة بعد موت عثمان ابن عمه عبد الله بن حازم كما نذكره.
ولما افتتح ابن عامر فارس أشار عليه الناس بقصد خراسان وكانوا قد انتقضوا فسار إليها وقيل عاد إلى البصرة واستخلف على فارس شريك بن الأعور الحارثي فبنى مسجدها فلما دخل البصرة أشار عليه الأحنف بن قيس وحبيب بن أوس بالمسير إلى خراسان فتجهز واستخلف على البصرة زياد بن أبيه وسار إلى كرمان وقد نكثوا فبعث لحربهم مجاشع بن مسعود السلمي ولحرب سجستان الربيع بن زياد الحارثي وسار هو إلى نيسابور وتقدمه الأحنف بن قيس إلى الطبسين حصنان هما بابا خراسان فصالحه أهلها وسار إلى قوهستان فقاتل أهلها حتى أحجرهم في حصنهم ولحقه ابن عامر فصالحوه على ستمائة ألف درهم وقيل كان المتولي حرب قوهستان أمير بن أحمر اليشكري.
ثم بعث ابن عامر السرايا إلى أعمال نيسابور ففتح رستاق رام عنوة وباخرز وجيرفت عنوة وبعث الأسود بن كلثوم من عدي الرباب وكان ناسكا إلى بيهق من أعمالها فدخل البلد من ثلمة كانت في سورها وقاتل حتى قتل وظفر أخوه أدهم بالبلد وفتح ابن عامر بشت بالشين المعجمة من أعمال نيسابور ثم اسفراين ثم قصد نيسابور وبعدها استولى على أعمالها فحاصرها أشهرا وكان بها أربع مرازبة من فارس فسأل واحد منهم الأمان على أن يدخلهم ليلا وفتح لهم الباب وتحصن الأكبر منهم في حصنها حتى صالح على ألف ألف درهم وولى ابن عامر على نيسابور قيس بن الهيثم السلمي وبعث جيشا إلى نسا وأبيورد فصالحهم أهلها وآخر إلى سرخس فصالحوا مرزبانها على أمان مائة رجل لم يدخل فيها نفسه فقتله وافتتحها عنوة وجاء مرزبان طوس فصالحه على ستمائة ألف درهم وبعث جيشا إلى هراة مع عبد الله بن حازم فصالح مرزبانها على ألف ألف درهم ثم بعث مرزبان مرو فصالح على ألف ألف ومائتى ألف وأرسل إليه ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلي ثم بعث الأحنف بن قيس إلى طخارستان فصالح في طريقه رستاقا على ثلثمائة ألف وعلى أن يدخل رجل يؤذن فيه ويقيم حتى ينصرف ومر إلى مرو الروذ وزحف إليه أهلها فهزمهم وحاصرهم وكان مرزبانها من أقارب باذام صاحب اليمن فكتب إلى الأحنف متوسلا بذلك في الصلح فصالحه على ستمائة ألف ثم اجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب في جمع عظيم ولقيهم الأحنف فقاتلهم قتالا شديدا ثم انهزموا فقتلوا قتلا ذريعا.
ورجع الأحنف إلى مروالروذ وبعث الأقرع بن حابس إلى فلهم بالجوزجان فهزمهم وفتحها عنوة ثم فتح الأحنف الطالقان صلحا والفارياب وقيل فتحها أمير بن أحمد ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارستان فصالحوه على أربعمائة ألف وقيل سبعمائة واستعمل عليها أسيد بن المنشمر ثم سار إلى خوارزم على نهر جيحون فامتنعت عليه فرجع إلى بلخ وقد استوفى أسيد قبض المال وكتبوا إلى ابن عامر ولما سار مجاشع بن مسعود إلى كرمان كما ذكرناه وكانوا قد انتقضوا ففتح هميد عنوة وبنى بها قصرا ينسب إليه ثم سار إلى السيرجان وهي مدينة كرمان فحاصرها وفتحها عنوة وجلى كثيرا من أهلها ثم فتح جيرفت عنوة ودوخ نواحي كرمان وأتى القفص وقد تجمع له من العجم من أهل الجلاء وقاتلهم فظفر وركب كثير منهم البحر إلى كرمان وسجستان ثم إنزل العرب في منازلهم وأراضيهم.
وسار الربيع بن زياد الحارثي بولاية ابن عامر كما قدمناه إلى سجستان فقطع المفازة من كرمان حتى أتى حصن زالق فأغار عليهم يوم المهرجان وأسر دهقانهم فافتدى بما غمر عنزة قاعة من الذهب والفضة وصالحوه على صلح فارس وسار إلى زرنج ولقيه المشركون دونها فهزمهم وقتلهم وفتح حصونا عدة بينها وبينه ثم انتهى إليها وقاتله أهلها فأحجرهم وحاصرها وبعث مرزبانها في الأمان ليحضر فأمنه وجلس له على شلو من أشلاء القتلى وارتفق بآخر وفعل أصحابه مثله فرعب المرزبان من ذلك وصالح على ألف جام من الذهب يحملها ألف وصيف ودخل المسلمون المدينة ثم سار منها إلى وادي سنارود فعبره إلى القرية التي كان رستم الشديد يربط بها فرسه فقاتلهم وظفر بهم وعاد إلى زرنج وأقام بها سنة ثم سار بها إلى ابن عامر واستخلف عليها عاملا فأخرجوه وامتنعوا فكانت ولاية الربيع سنة ونصف سنة سبى فيها أربعين ألف رأس وكان الحسن البصري يكتب له.
ثم استعمل ابن عامر على سجستان عبد الرحمن بن سمرة فسار إليها وحاصر زرنج حتى صالحوه على ألفي ألف درهم وألفي وصيف وغلب على ما بينها وبين الكش من ناحية الهند وعلى ما بينها وبين الدادين من ناحية الرخج ولما انتهى إلى بلد الدادين حاصرهم في جبل الزور حتى صالحوه ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فأخذهما وقطع يده وقال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر وإنما قصدت أنه لا يضر ولا ينفع ثم فتح كاتبل وزابلستان وهي بلاد غزنة فتحها صلحا ثم عاد إلى زرنج إلى أن اضطرب أمر عثمان فاستخلف عليها أمير بن أحمر وانصرف فأخرجه أهلها وانتقضوا ولما كان الفتح لابن عامر في فارس وخراسان وكرمان وسجستان قال له الناس: لم يفتح لأحد ما فتح عليك فقال: لا جرم لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما من موقفي هذا فأحرم بعمرة من نيسابور وقدم على عثمان استخلف على خراسان قيس بن الهيثم فسار قيس في أرض طخارستان ودوخها وامتنع عليه سنجار فافتتحها عنوة.